قريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
2
((ذَلِكَ الْكِتَابُ)) والإشارة بالبعيد، للإشارة إلى كون القرآن سامي عالي المنزلة، ((لاَ رَيْبَ فِيهِ)) أي ليس محلاً للريب وإن ارتاب فيه الكفار، كما أن النهار لا ريب فيه وإن ارتاب فيه السوفسطائيون، و"لا ريب فيه" صفة للكتاب. ((هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)) صفة بعد صفة، أي أن هذا القرآن هداية لمن اتقى وخاف من التردي، فإنه هو الذي يهتدي بالقرآن، وإن كان القرآن صالحاً لأن يهدي الكل.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
3
((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)) صفة للمتقين، والمراد بالإيمان: الاعتقاد به، والغيب هو الذي غاب عن الحواس الظاهرة، أي ما وراء الطبيعة، فالروح غيب، وأحوال القبر غيب، والله سبحانه غيب، وهكذا. ((وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ)) إقامة الصلاة والإتيان بها دائما على الوجه المأمور بها، ولذا تدل على معنى أرفع من معنى "صل". ((وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)) والرزق أعم من المأكول والملبوس والمسكون والعلم والصحة وغيرها. وإنفاق كل شيء بحسبه.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
4
((والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ)) من الوحي والقرآن، ((وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ)) فإن من شرائط الإيمان الإيمان بكل الأنبياء (لا نفرق بين أحد من رسله)، ((وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)) واليقين بالآخرة هو الاعتقاد بها، والعمل بمقتضاها، وبعض هذه الأمور - وإن كانت داخلة في "الإيمان بالغيب" لكنها ذكرت لزيادة الاهتمام بها. وذكر الخاص بعد العام.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
5
((أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ)) أي على بصيرة، وهذه البصيرة أتت إليهم من ناحية الله سبحانه، ((وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) الناجون، فهم في الدنيا على بصيرة، وفي الآخرة في زمرة الناجين. ثم أن القرآن لما ذكر المؤمنين ثناهم بذكر الكافرين، ثم ثلثهم بذكر المنافقين، فإن كل دعوة لابد وأن ينقسم الناس أمامها إلى ثلاثة أقسام: "مؤمن بها" و"كافر بها" ومذبذب بين ذلك يجامل الطرفين.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
6
((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ)) والكفر هو الستر، كأن الكافر يستر الحقيقة، ولا يبديها ((سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)) والمراد بـ"الذين كفروا" - هنا - هم المعاندون منهم، لأنهم المصداق الاجلي <الأصلي> للكافر، وإلا فالذين آمنوا بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - من الناس كانوا كفاراً، ثم آمنوا، ومن المعلوم، أن المعاند يتساوى في حقه الإنذار وعدمه، نعم، يجب إنذاره إتماماً للحجة. وهذا تسلية للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى لا تذهب نفسه عليهم حسرات.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
7
((خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ)) طبعها بالكفر، أي جعلها بحيث يصعب إيمانها، لأنها اعتادت الكفر وعدم الاستماع إلى الحق، وإنما ختم الله لأنها لم تقبل الهداية، كمن يطرد ولده عن داره بعد ما أرشده مرات، فلم يفد فيه النصح، كما قال تعالي: (ختم الله عليها بكفرهم) أي بسبب كفرهم، وإنما فسرنا "الختم" بـ"يصعب" لبداهة أن الإنسان - ولو كان معانداً - لا يخرج عن قابلية القبول والاهتداء ((وَعَلَى سَمْعِهِمْ)) بمعنى أنهم لا يستفيدون من السمع والبصر كالأصم، لأن في سمعهم خلل، ((وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ)) تشبيه للغشاوة المعنوية بالغشاوة الظاهرية، فكما أن من على بصره غشاوة لا يرى المحسوسات، كذلك من يعاند، يكون على بصره مثل الغشاوة، وهو تنزيل لفاقد الوصف منزلة فاقد الأصل، كما تقول لمن لا ينتفع بالعلم: "هو جدار." ((وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ)) في الدنيا والآخرة، فإن من ينحرف عن قوانين الله تعالى يكون له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
8
((وَمِنَ النَّاسِ مَن)) المنافقون، وهم القسم الثالث، فهو ((يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ)) قولا باللفظ فقط، ((وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ)) حقيقة، فلا يعملون أعمال المؤمنين، وإن كانت قلوبهم أيضاً متيقنة بحقائق اللإيمان.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
9
((يُخَادِعُونَ اللّهَ)) أي يفعلون مع الله تعالى فعل المخادع - الذي يريد الخديعة، فيظهر ما لا يريده، ويريد ما لا يظهره. ((وَالَّذِينَ آمَنُوا)) فيرونهم خلاف ما يضمرونه، لكن عملهم هذا ليس خدعة حقيقة لله وللمؤمنين، فإنهما يعلمان نواياهم، فلا ينخدعون بهم، بل ((وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم)) إذ يجري عليهم أحكام المؤمنين ظاهراً، ولا يشتركون معهم في أسرارهم، كما لا يشتركون معهم آخرتهم، فهم مخدوعون من حيث ظنوا أنهم مخادعين ((وَمَا يَشْعُرُونَ)) بأنهم خدعوا أنفسهم، لا أنهم خدعوا الله والمؤمنين، وإذ لو شعروا بأنهم يخدعون أنفسهم لم يقدموا على ما ظنوه خدعة لغيرهم، والحال أنها خدعة لهم حقيقة وواقعاً.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
10
((فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ)) فإن قلب المنافق ملتو، ونفسه معوجة، لا تريد الاستقامة ((فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً)) إذ نزول الآيات ونصب الرسول أوجب أن يزيدوا في التوائهم، لئلا يسلط النور عليهم فيعرفوا ((وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ)) أي مؤلم ((بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)) أي بسبب كذبهم بمخالفة ظاهرهم لباطنهم، فإنه نوع من الكذب، وإن كان كلامهم مطابقاً للواقع، لكنهم حيث أخبروا عن إيمانهم ولم يكونوا مؤمنين كان ذلك كذباً.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
11
((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ)) أي المنافقين ((لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ)) فإن النفاق يلازم الإفساد، إذ يعمل المنافق ضد الدعوة، ويؤلب عليها، وهو إفساد حينما تريد الإصلاح والتقدم ((قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)) فإنهم يظنون أن الدعوة إفساد، وأنهم بوقوفهم ضدها يصلحون في الأرض.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
12
((أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ)) لأنهم بوقوفهم النفاقي ضد الإسلام يكونون مفسدين إفساداً بالغاً أكثر من إفساد الكفار، ولذا قال تعالى في آية أخرى (هم العدو) على نحو الحصر ((وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ)) بذلك، بل (يحسبون أنهم يحسنون صنعا).
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
13
((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ)) أي المنافقين، والقائل هم جماعة من المؤمنين الذين لا يخافون ((آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ)) إيماناً لا يشوبه نفاق ((قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء)) يعنون بالسفهاء المؤمنين الحقيقيين ((أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء)) وأية سفاهة أعظم من كون الإنسان حائداً عن طريق الحق مع كونه متصفا بصفة النفاق الرذيلة، ((وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ)) أنهم هم السفهاء، لأنهم يظنون أن طريقتهم النفاقية أصلح الطرق.