اذا مانظرنا للصوم وأهميته عرفنا عظمة الإسلام ولا تقف ادلة العظمة على تشريع الصيام وفضائله على الانسان بل حتى انه اوجد رخصا فيه ليسهل فيه على المسلمين فلا يجدون فيه مشقة او عناء ومن رخصة انه اعطى اذناً بالإفطار وهذا من
تيسير الله لعباده أنه لم يفرض الصيام إلا على من يطيقه ، وأباح الفطر لمن لم يستطع الصوم لعذر شرعي ، والأعذار الشرعية المبيحة للصوم على النحو التالي :
" أَوَّلًا : ( الْمَرَضُ ) :الْمَرَضُ هُوَ : كُلُّ مَا خَرَجَ بِهِ الْإِنْسَانُ عَنْ حَدِّ الصِّحَّةِ مِنْ عِلَّةٍ .
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إبَاحَةِ الْفِطْرِ لِلْمَرِيضِ فِي الْجُمْلَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } . وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله تعالى عنه قَالَ : " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ , يُفْطِرُ وَيَفْتَدِي , حَتَّى أُنْزِلَتْ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا يَعْنِي قوله تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ , هُدًى لِلنَّاسِ , وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ , فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ , وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } فَنَسَخَتْهَا . فَالْمَرِيضُ الَّذِي يَخَافُ زِيَادَةَ مَرَضِهِ بِالصَّوْمِ أَوْ إبْطَاءَ الْبُرْءِ أَوْ فَسَادَ عُضْوٍ , لَهُ أَنْ يُفْطِرَ , بَلْ يُسَنُّ فِطْرُهُ , وَيُكْرَهُ إتْمَامُهُ , لِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ , فَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ . ثُمَّ إنَّ شِدَّةَ الْمَرَضِ تُجِيزُ الْفِطْرَ لِلْمَرِيضِ . أَمَّا الصَّحِيحُ إذَا خَافَ الشِّدَّةَ أَوْ التَّعَبَ , فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ , إذَا حَصَلَ لَهُ بِالصَّوْمِ مُجَرَّدُ شِدَّةِ تَعَبٍ .
ثَانِيًا : السَّفَرُ :
يُشْتَرَطُ فِي السَّفَرِ الْمُرَخِّصِ فِي الْفِطْرِ مَا يَلِي :
أ - أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ طَوِيلا مِمَّا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاةُ .
ب - أَنْ لَا يَعْزِمَ الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ خِلَالَ سَفَرِهِ .
ج - أَنْ لَا يَكُونَ سَفَرُهُ فِي مَعْصِيَةٍ , بَلْ فِي غَرَضٍ صَحِيحٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ , وَذَلِكَ : لِأَنَّ الْفِطْرَ رُخْصَةٌ وَتَخْفِيفٌ , فَلَا يَسْتَحِقُّهَا عَاصٍ بِسَفَرِهِ , بِأَنْ كَانَ مَبْنَى سَفَرِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ , كَمَا لَوْ سَافَرَ لِقَطْعِ طَرِيقٍ مَثَلًا .
( انْقِطَاعُ رُخْصَةِ السَّفَرِ ) :
تَسْقُطُ رُخْصَةُ السَّفَرِ بِأَمْرَيْنِ اتِّفَاقًا :
الْأَوَّلِ : إذَا عَادَ الْمُسَافِرُ إلَى بَلَدِهِ , وَدَخَلَ وَطَنَهُ , وَهُوَ مَحَلُّ إقَامَتِهِ .
الثَّانِي : إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ مُطْلَقًا , أَوْ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ فِي مَكَان وَاحِدٍ , وَكَانَ الْمَكَانُ صَالِحًا لِلْإِقَامَةِ ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِذَلِكَ , فَيُتِمُّ الصَّلَاةَ , وَيَصُومُ وَلَا يُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ , لِانْقِطَاعِ حُكْمِ السَّفَرِ .
العذر الثَالِث : الْحَمْلُ وَالرَّضَاعُ :الْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ لَهُمَا أَنْ تُفْطِرَا فِي رَمَضَانَ , بِشَرْطِ أَنْ تَخَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ عَلَى وَلَدِهِمَا الْمَرَضَ أَوْ زِيَادَتَهُ , أَوْ الضَّرَرَ أَوْ الْهَلَاكَ . وَدَلِيلُ تَرْخِيصِ الْفِطْرِ لَهُمَا : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْمَرَضِ صُورَتَهُ , أَوْ عَيْنَ الْمَرَضِ , فَإِنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ , فَكَانَ ذِكْرُ الْمَرَضِ كِنَايَةً عَنْ أَمْرٍ يَضُرُّ الصَّوْمُ مَعَهُ , وَهُوَ مَعْنَى الْمَرَضِ , وَقَدْ وُجِدَ هَاهُنَا , فَيَدْخُلَانِ تَحْتَ رُخْصَةِ الْإِفْطَارِ, ومِنْ أَدِلَّةِ تَرْخِيصِ الْفِطْرِ لَهُمَا , حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْكَعْبِيِّ رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : { إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ , وَعَنْ الْحَامِلِ أَوْ الْمُرْضِعِ الصَّوْمَ أَوْ الصِّيَامَ } وَفِي لَفْظِ بَعْضِهِمْ : { عَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ } .
رَابِعًا : الشَّيْخُوخَةُ وَالْهَرَمُ :وَتَشْمَلُ الشَّيْخُوخَةُ وَالْهَرَمُ مَا يَلِي : الشَّيْخَ الْفَانِيَ , وَهُوَ الَّذِي فَنِيَتْ قُوَّتُهُ , أَوْ أَشْرَفَ عَلَى الْفَنَاءِ , وَأَصْبَحَ كُلَّ يَوْمٍ فِي نَقْصٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ . والْمَرِيضَ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ , وَتَحَقَّقَ الْيَأْسُ مِنْ صِحَّتِهِ . والْعَجُوزَ , وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْمُسِنَّةُ . والدليل فِي شَرْعِيَّةِ إفْطَارِ مَنْ ذُكِرَ، قوله تعالى:{ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ }. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما : الْآيَةُ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ , وَهِيَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ , وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ , لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا , فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا .
خَامِسًا : إرْهَاقُ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ :مَنْ أَرْهَقَهُ جُوعٌ مُفْرِطٌ , أَوْ عَطَشٌ شَدِيدٌ , فَإِنَّهُ يُفْطِرُ ويأكل بقدر ما تندفع به ضرورته ويمسك بقية اليوم وَيَقْضِي .
وَأَلْحَقُوا بِإِرْهَاقِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ خَوْفَ الضَّعْفِ عَنْ لِقَاءِ الْعَدُوِّ الْمُتَوَقَّعِ أَوْ الْمُتَيَقَّنِ كَأَنْ كَانَ مُحِيطًا : فَالْغَازِي إذَا كَانَ يَعْلَمُ يَقِينًا أَوْ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ الْقِتَالَ بِسَبَبِ وُجُودِهِ بِمُقَابَلَةِ الْعَدُوِّ , وَيَخَافُ الضَّعْفَ عَنْ الْقِتَالِ بِالصَّوْمِ , وَلَيْسَ مُسَافِرًا , لَهُ الْفِطْرُ قَبْلَ الْحَرْبِ .
سَادِسًا : الْإِكْرَاهُ :
الإكراه : هو حَمْلُ الْإِنْسَانِ غَيْرَهُ , عَلَى فِعْلِ أَوْ تَرْكِ مَا لا يَرْضَاهُ بِالْوَعِيدِ . "